سورة الانشقاق - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الانشقاق)


        


{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)}
{واليل وَمَا وَسَقَ} وما ضم وجمع يقال وسقه فاتسق واستوسق أي جمعه فاجتمع ويقال طعام موسوق أي مجموع وابل مستوسقة أي مجتمعة قال الشاعر:
إن لنا قلائصا حقائقا *** مستوسقات لم يجدن سائقًا
ومنه الوسق الأصواع المجتمعة وهي ستون صاعًا أوحمل بعير لاجتماعه على ظهره وما تحتمل المصدرية والموصولة والجمهور على الثاني والعائد محذوف أي والذي وسقه والمراد به ما يجتمع بالليل ويأي إلى مكانه من الدواب وغيرها وعن مجاهد ما يكون فيه من خير أو شر وقيل ما ستره وغطى عليه بظلمته وقيل ما جمعه من الظلمة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جبير أنه قال وما وسق وما عمل فيه ومنه قوله:
فيومًا ترانا صالحين وتارة *** تقوم بنا كالواسق المتلبب
وقيل وسق عنى طرد أي وما طرده إلى أماكنه من الدواب وغيرها أو ما طرده من ضوء النهار ومنه الوسيقة قال في القاموس وهي من الإبل كالرفقة من الناس فإذا سرقت طردت معًا.


{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)}
{والقمر إِذَا اتسق} أي اجتمع نورع وصار بدرًا.


{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)}
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبقٍ} خطاب لجنس الإنسان المنادى أولًا باعتبار شموله لأفراده والمراد بالكوب الملاقاة والطبق في الأصل ما طابق غيره مطلقًا وخص في العرف بالحال المطابقة لغيرها ومنه قول الأقرع بن حابس.
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره *** وساقني طبق منه إلى طبق
وعن للمجاوزة وقال غير واحد هي عنى بعد كما في قولهم سادوك كابرًا عن كابر وقوله:
ما زلت أقطع منهلًا عن منهل *** حتى أنخت بباب عبد الواحد
والمجاوزة والبعدية متقاربان والجار والمجرور متعلق حذوف وقع صفة لطبقًا أو حالًا من فاعل تركبن والظاهر أن نصب طبقًا على أنه مفعول به أي لتلاقن حالًا مجاوز لحال أو كائنة بعد حال أو مجاوزين لحال أو كائنين بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول وجوز كون الركوب على حقيقته وتجعل الحال مركوبة مجازًا وقيل نصب طبقًا على التشبيه بالظرف أو الحالية وقال جمع الطبق جمع طبقة كتخم وتخمة وهي المرتبة ويقال إنه اسم جنس جمعي واحدة ذلك والمعنى لتركبن أحوالًا بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها ورجحه الطيبي فقال هذا الذي يقتضيه النظم وترتب الفاء في {فلا أقسم} [الانشقاق: 16] على قوله تعالى: {بلى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانشقاق: 15] وفسر بعضهم الأحوال بما يكون في الدنيا من كونهم نطفة إلى الموت وما يكون في الآخرة من البعث إلى حين المستقر في إحدى الدارين وقيل يمكن أن يراد بطبقًا عن طبق الموت المطابق للعدم الأصلي والإحياء المطابق للإحياء السابق فيكون الكلام قسمًا على البعث بعد الموت ويجري فيه ما ذكره الطيبي وأخرج نعيم بن حماد وأبو نعيم عن مكحول أنه قال في الآية تكونون في كل عشرين سنة على حال لم تكونوا على مثلها وفي رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في كل عشرين عامًا تحدثون أمرًا لم تكونوا عليه فالطبق عنى عشرين عامًا وقد عد ذلك في القاموس من جملة معانيه وما ذكر بيان للمعنى المراد وقيل الطبق هنا القرن من الناس مثله في قول العباس بن عبد المطلب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وأنت لما ولدت أشرقت الأر *** ض وضاءت بنورك الأفق
تنقل من صالب إلى رحم *** إذا مضى عالم بدا طبق
وإن المعنى لتركبن سنن من مضى قبلكم قرنًا بعد قرن وكلا القولين خلاف الظاهر وقرأ عمر وابن مسعود وابن عباس ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وطلحة وعيسى والأخوان وابن كثير {لَتَرْكَبُنَّ} بتاء الخطاب وفتح الباء وروى عن ابن عباس وابن مسعود أنهما أيضًا كسرا تاء المضارعة وهي لغة بني تميم على أنه خطاب للإنسان أيضًا لكن باعتبار اللفظ لا باعتبار الشمول وأخرج البخاري عن ابن عباس أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم روى عن جماعة وكأن من ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام هو المراد بالإنسان فيما تقدم يذهب إليه وعليه يراد لتركبن أحوالًا شريفة بعد أخرى من مراتب القرب أو مراتب من الشدة في الدنيا باعتبار ما يقاسيه صلى الله عليه وسلم من الكفرة ويعانيه في تبليغ الرسالة أو الكلام عدة بالنصر أي لتلاقن فتحًا بعد فتح ونصرًا بعد نصر وتبشيرًا بالمعراج أي لتركبن سماء بعد سماء كما أخرجه عبد بن حميد عن ابن عباس وابن مسعود وأيد بالتوكيد بالجملة القسمية والتعقيب بالإنكارية وأخرج ابن المنذر وجماعة عن ابن مسعود أنه قال في ذلك يعني السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر وفي وراية السماء تكون كالمهل وتكون مردة كالدهان وتكون واهية وتشقق فتكون حالًا بعد حال فالتاء للتأنيث والضمير الفاعل عائد على السماء وقرأ عمر وابن عباس أيضًا ليركبن بالياء آخر الحروف وفتح الباء على الالتفات من خطاب الإنسان إلى الغيبة وعن ابن عباس يعني نبيكم عليه الصلاة والسلام فجعل الضمير له صلى الله عليه وسلم والمعنى على نحو ما تقدم وقيل الضمير الغائب يعود على القمر لأنه يتغير أحوالًا من سرار واستهلال وأبدار وقرأ عمر أيضًا ليركبن بياء الغيبة وضم الباء على أن ضمير الجمع للإنسان باعتبار الشمول وقرئ بالتاء الفوقية وكسر الباء على تأنيث الإنسان المخاطب باعتبار النفس وأمر تقدير الحالية المشار إليها فيما مر على هذه القراآت لا يخفى والفاء في قوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8